الحمد لله المنزه عن كل شيء وعـَزّت معرفته فلا يُدرك بالمعقول، والصلاة والسلام على سيدنا أحمد محمد المحمود النبي العبد الرسول، إسراء القبول، ومعراج الوصول، وغاية المأمول، صلوات ربـّي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ووراثه ونوابه مفاتيح الوصول...
وبعد...
السلام عليكم ورحمة الله تعالى العظيم الكريم الحكيم العدل وبركاته...
الحمد لله الذي أنار الوجود بسيد الوجود صلى الله عليه وسلم
هذا كتاب سمّيته "الزهراء عليها السلام" وهو يتكلم عن التصوف وأهله ومنبعه وأصله والعلماء وشهاداتهم فيه
إن التصوّف كلمة لطالما اتخذها بعض الذين يجهلون معناها وسيلة لمهاجمتها ونأكد أنهم ما فعلوا ذلك وهم مدركون لمعناها الحقيقي.
فكلمة التصوف هي :
أن يجتهد الإنسان بعبادة ربه عز وجل، ومخالفة نفسه ، لينال عز الدنيا والآخرة، فإذا عَرَفَ نفسه وقَهَرَهَا وعالجها بما يصلح لها حتى يعرفها ويأمن من شرها حتى يصفو قلبه مع ربه عند ذلك تصفو روحه، وكما قلنا أن تذكر الله عز وجل وليس في قلبك سواه، فإن كانت الخلوة الشرعية تقتضي أن لا تخلُ بامرأة أجنبية دون أن يكون معك أحد، فإن الخلوة الربانية هي أن يخلو قلبك بربك دون أن يكون فيه أحد، فإنّ الاجتهاد في ذلك هو التصوّف مع التمسك بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، كانت هناك حساسيات عند اتباع هذا العلم، فلا يقبلون مناقشة في عبارة من عبارات أهله ولا مباحثته ولا الكلام فيه، فإنّ المجدّدين في هذه الأمة لا يسعهم أن يقابلوا أمثال هذا كله إلا بالكلمة الصادقة والواضعة للأمور في مواضعها، فهذا وحده الذي يَحسـُن بالعالم وتصلح به الأمة، وإذا لم يفعل العالِم ذلك فإنه لن يكون قد أدى أمانة العلم في جيله.
إن تسعين بالمائة من الأمة الإسلامية خلال القرون المتعددة لهم علاقة بالتصوف وأهله بشكل من الأشكال، إما بالاشتغال فيه أو التلمذة على أهله أو الصلة بهم والثقة فيهم أو الانتماء لهم أو لمن تتلمذ عليهم، ولا زال التصوف وأهله إلى الآن هم الذين يصلون إلى بيئات ومناطق لا يصل إليها غيرهم. وإني لأظن أن أكثر ما وسيذهب الإنكار فيه هو الاسم التصوف، ولهؤلاء أقول على رسلكم فهذا التاريخ بيني وبينكم، إنه لم يُنكِر خلال العصور اسم التصوف أحد من الناس لأنه اصطلاح على علم، ومن فتاوى ابن تيمية خرج منها مجلدات تحت اسم التصوف والأخلاق ولم أرَ على ذلك منكرا، فأرجو التأني على قضية لا مبرر للإنكار فيها أصلا، ونحن نقول أنه ليس الصوفي معصوماً من الخطأ وإنما المعصوم هو كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقديما ً قال أكبر أعلام أهل التصوف - رحمه الله تعالى: " ربما وقعت النكتة من كلام القوم في قلبي فلا أقبلها إلا بشاهدَيْ عدل من الكتاب والسنة، لأن الله عز وجل ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمن لي فيما سواهما ".
إن مفاتيح النفس البشرية إنما هي في هذه التربية وأصولها وقواعدها لأن الصوفية هم الذين ورثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلمتربية النفس وتزكيتها، وتخصّصوا لذلك وتفرّغوا له، وفطنوا لما لم يفطن له غيرهم. إن الصوفية هم الذين ملكوا العلم الذي تتهذب به النفوس البشرية في علاقتها مع الله عز وجل أو فيما سوى ذلك من القدرة على التعامل مع الناس.
إن التصوف والبيئات الصوفية هي القادرة على إيجاد الإنسان في كمالاته كلها، الإنسان الذي يقوم بفرائض العبودية كلها، الإنسان الذي يقدم أعظم العطاء في باب التعامل مع الآخرين، فيقوم بذلك مجتمع كله أدب وتراحم وعطف ومودة وإيثار ولطف، وهناك أناس يطرحون سؤالاً إذا ما أعيتهم الحجج وهو: أليس في كتاب الله عز وجل والسنة الشريفة ما يغني عن هذا؟ والجواب: نعم ولكن هل كل إنسان قادر على أن يقرأ الكثير ويستوعب الكثير ويستوعب الجميع ويربط بين المواضيع؟! لا بدّ للإنسان من أساس مُوَضِّح ونقطة انطلاق سريعة المتناول، فعندما تقرأ الكتاب والسنة تجد كلاما ً كثيرا ًعن القلب والإيمان والذوق وأمراض القلوب ودواء هذه الأمراض، وتجد كلاما ً كثيرا ًعن صَمَم القلب وعماه وعن سلامته وسقمه وتقواه وفسوقه، وعن النفس البشرية عن زكاتها وعن فجورها وأمثال هذه المعاني...
يتبع بإذنه تعالى>>>
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وسبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين
عدل سابقا من قبل ابن الباسل في الثلاثاء مايو 13, 2008 7:20 pm عدل 1 مرات