الحمد لله المنزه عن كل شيء وعـَزّت معرفته فلا يُدرك بالمعقول، والصلاة والسلام على سيدنا أحمد محمد المحمود النبي العبد الرسول، إسراء القبول، ومعراج الوصول، وغاية المأمول، صلوات ربـّي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ووراثه ونوابه مفاتيح الوصول...
وبعد...
السلام عليكم ورحمة الله تعالى العظيم الكريم الحكيم العدل وبركاته...
شرح الطريقة النورانية للصلاة الياقوتية
لسيدي الشيخ الفقير الى الله تعالى
الشيخ باسل صالح جرار
رضي الله تعالى عنه
أحبة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - سنقدم لكم بعون الله سبحانه وتعالى شرحا ً على "الياقوتة" وهذه صيغة صلاة على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - ومن الأوراد الشاذلية وهي للأستاذ الشيخ محمد بن محمد بن مسعود الفاسي رضي الله تعالى عنه، وقد رأى النبي - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - بعد تأليفها، وهو يشير بمسبحته الكريمة إلى صدر الشيخ ويقول: ( هذا السر المصون )، ثم عرضها على أهل الديوان فحظـِيَت منهم بالقبول، وقال القطب: "مَنْ داومَ على قراءتها صباحا ًومساءً كـَثــُرَتْ رؤيته للنبي - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - يقظة ومناما ً، حسا ًومعنىً، وعن الأستاذ أنه دخل بعض الإخوان بها الخلوة لا يفتر عن قراءتها سبعة أيام فما خرج حتى اجتمع بالنبي - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - وأخذ عنه العلوم والأسرار.
والآن نقرأها ومن ثم نبدأ بشرحها بعون الله سبحانه وتعالى
بسم الله الرحمن الرحيم { إنّ اللهّ وّمّلائِكـَتَهُ يُصَلونَ عَلى النّبِيّ يَا أيّها الذينَ آمَنُوا صَلّوا عَليْهِ وَسَلمُوا تَسْلِيماً} اللهم صلّ وسلم على مَن جعلته سببا ًلانشقاق أسرارك الجبروتيّة، و انفلاقا ًلأنوارك الرّحمانيّة، فصار نائبا ًعن الحضرة الرّبانية، وخليفة أسرارك الذاتيّة، فهو ياقوتة أحدية ذاتك الصمديّة، وعين مظهر صفاتك الأزليّة، فبك منك صار حجابا ًعنك وسرا ًمن أسرار غيبك، حُجبت به عن كثير من خلقك، فهو الكنز المطلسم، والبحر الزاخر المطمطم، فنسألك اللهم بجاهه لديك وبكرامته عليك أن تعمّر قوالبنا بأفعاله، وأسماعنا بأقواله، وقلوبنا بأنواره، و أرواحنا بأسراره، وأشباحنا بأحواله، وسرائرنا بمعاملته، وبواطننا بمشاهدته، وأبصارنا بأنوار محيّا جماله، وخواتم أعمالنا في مرضاته، حتى نشهدك به، وهو بك، فأكون نائبا ًعن الحضرتين، وأدلّ بهما عليهما، ونسألك اللهم أن تصلّ وتسلم عليه صلاة وتسليما يليقان بجنابه وعظيم قدره، وتجمعني بهما عليه، وتقربني بخالص ودّهما لديه، وتنفحني بسببهما نفحة الأتقياء، وتمنحني منهما منحة الأصفياء، لأنه السرّ المصون، والجوهر الفرد المكنون، فهو الياقوتة المنطوية عليها أصداف مكنوناتك، والغيهوبة المنتخب منها معلوماتك، فكان غيبا ًمن غيبك، وبدلا ًمن سرّ ربوبيتك حتى صار بذلك مظهرا ًنستدل به عليك، وكيف لا يكون كذلك وقد أخبرتنا بذلك في مُحكَم كتابك بقولك: { إنّ الذينَ يُبـَايِعونَكَ إنّما يُبـَاِيُعونَ اللهَ } فقد زال عنا بذلك الرّيبَ وحصل الانتباه، واجعل اللهم دلالتنا عليك به، ومعاملتنا معك من أنوار متابعته، وارضَ اللهم على من جعلتهم محلا ًللاقتدا، وصيّرْت قلوبهم مصابيح الهدى، المطهرين من رقّ الأغيار وشوائب الأقدار، من بَدت من قلوبهم درر المعاني، فجُعِلتْ قلائد التحقيق لأهل المباني، واخترتهم في سابق الاقتدار أنهم من أصحاب نبيك المختار، ورضيتهم لانتصار دينك، فهم السادات الأخيار، وضاعف اللهم مزيد رضوانك عليهم مع الآل والعشيرة والمقتفين للآثار، واغفر اللهم ذنوبنا ولوالدينا ومشايخنا وإخواننا في الله وجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات المطيعين منهم وأهل الأوزار. |
ونبدأ الآن بشرح الصلاة العظيمة:
{ اللهم صلّ وسلم على مَن جعلته سببا لانشقاق أسرارك الجبروتيّة}
إنّ القاريء لهذا اللفظ يجد أن الثقل حتى في اللفظ وفي الكلمات مِن ثِقـَل المَعاني التي تحملها هذه الجملة من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - إنّ الأسرار كلها أصلا ً هي من "الجبروت" ثم تخرج إلى "الملكوت" وإلى الملك فما الذي جعل هذه الأسرار تخرج من هذه الحضرة ونحن نتكلم طبعاً قبل خلق الخلق أي عالم "الملك" عالم الظهور والشهادة، فمن كان سببا ًلانشقاق هذه الأسرار؟ إذا ًهو أعظم منها و إلا كيف تنشق به؟ لأنه بالأصل السرّ الأكبر الذي منه جميع الأسرار على الإطلاق، فمنه الأسرار وهو أيضا السر الساري في الأسرار ليظهر فعلها، وعندما تقرأ كلمة جعلته تفهم من هذا أن هذا زيادة في تكريمه - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - فهو تكميل على ما عليه من كمال ومن عمق العطاء الإلهيّ، ولأنه حلاّه الله سبحانه وتعالى وكساه بصفتيْ الجلال والجمال إذاً كان هو سبب الخليقة والحقيقة، كيف لا يكون سببا ً لانشقاق الأسرار؟! طبعا والسببية هي أصل الشيء الذي منه يصدر كل شيء، فهو كوثر الحقيقة العظمى التي منها نتجت وتوالدت الحقائق وظهرت الخلائق، فهو نقطة الوصل والفصل، والفرق والجمع، وكلمة انشقاق تدلك على عظمة سرّه - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - وإنما الأسرار قـُهِرَت بسرّه الأعظم، فانشقت الأسرار لتكوين ما أراده الله سبحانه وتعالى من الخلق، فكل ذرة فيه قائمة بسرٍّ من الأسرار التي هو سبب في انشقاقها، فهو- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - لا يعلم بحاله وعلى ما هو عليه إلا الله سبحانه وتعالى، فظهر الوجود مِن العدَم بسرّه وسيعود إلى العدم أيضا بسرّه، فلا شيء يظهر فعله بالكون إلا بسرّه، فهو بسره ممدّ لكل الخلائق بالإيجاد وبالإمداد، فكل شيء قائم به، وهذا عـِظـَمُ عَظَمَة الله سبحانه وتعالى، فإنك من خلال هذه العظمة التي أعطاها الله سبحانه وتعالى لسيدنا محمد – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - تنظر وتتعرف على عظمة الله عز وجل. واعلم أنّ العوالم المعروفة بالتكوين هي: "الملك والملكوت والجبروت" وأيّ شيء أراده الحق للتكوين إنما يخرج من علمه إلى عظمة الحقيقة، ثم تبرزه الحقيقة إلى عوالم" الجبروت" على شكل أسرار، ومن ثم ينزل إلى "الملكوت" لتجلل الأسرار بالأنوار، ولتقرر ما ستكون عليه، ثم تظهر في عالم "الملك" على ما أراده الله سبحانه وتعالى لها، إذاً فأصل البدء في " الجبروت". و اعلم أنه عندما أخرج الخلق من حيـّز العلم الإلهيّ جبر في الحقيقة لكي يخرج بأسرار الحقيقة، فالحقيقة حقيقة الأسرار والأنوار. واعلم أنّه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الروح الكبرى التي انشقت أيضا منها الأرواح كلها، فهو الممدّ لكل الأرواح على حسب ما قسم له من الله سبحانه وتعالى، وعلى ما هو عليه من قابلية. واعلم أنّ الأرواح موضع ومكان الأسرار، فإن تحركت الروح لصاحبها الذي هو أصلها تحركت الأسرار التي فيها وتظهر فعاليتها، فإن انجذبت الأرواح بالقرب والمحبة وبالتحقيق والتخليق من الروح الكبرى هُيجت الأسرار والأنوار للظهور وتخرج إلى حيّز التنفيذ، ثم تميز هذه الأرواح القريبة من الله سبحانه وتعالى منها بسر ظاهر عليها أو يملـّكها الله أسرارا ًوأنوارا ً. واعلم أن الله عز وجل يجبر كل شيء بسرّه لكي يكون كل شيء مجبورا ً بالله سبحانه وتعالى وبحبيبه المصطفى - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
يتبع بإذن الله تعالى...
سبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين
والحمدلله رب العالمين
عدل سابقا من قبل ابن الباسل في الثلاثاء مايو 13, 2008 7:20 pm عدل 1 مرات